وقد اجتمع في اليوم السابق للقمّة وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي، بمن فيهم الوزيران السعودي والإماراتي، في جلسة تمهيدية انتهت بشكل غير حاسم. ولم يبشّر هذا الوضع بالخير للقمّة المنعقدة في اليوم التالي. وبشكل ليس بمفاجئ، دامت القمّة ساعتين فقط بدل أن تمتدّ على يومين كما كان محدَّداً.
أضف إلى ذلك الخبر الذي أُعلن عنه في اليوم ذاته بأنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سينقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، ممّا يزيد من شعور التهميش الذي يحسّ به الكثيرون في الشرق الأوسط إزاء الجبهة المعادية لإيران التي شكلتها الرياض مع الرئيس الأمريكي ترامب وحكومة نتنياهو. وقد ردّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان فوراً على هذا الخبر معلناً أنّ “القدس خطٌّ أحمر للمسلمين”، مضيفاً أنّ أنقرة ستعقد قمّة لمنظّمة التعاون الإسلامي في إسطنبول في غضون الأسبوع المقبل في حال تابعت الولايات المتحدة بتنفيذ هذه الخطّة. ومع أن القضية الفلسطينية لطالما حثّت قادة الدول الإقليمية على إطلاق خطابات شعبويّة، بدءاً من أنقرة وصولاً إلى طهران، فهي تحظى بتعاطف واسع من أنحاء المنطقة على الرغم من تضاؤل حدّته نوعاً ما بسبب بروز المشاعر القوميّة في تلك البلدان.
علاوة على ذلك، وأيضاً في اليوم ذاته، تراجع سعد الحريري عن استقالته من منصبه كرئيس وزراءٍ لبنان وتعهّدت حكومته الائتلافية (التي تضمّ حزب الله المدعوم من إيران) أن تلتزم بسياسة النأي بالنفس، إذ كان تدخُّل حزب الله العسكري الناشط لحماية نظام بشّار الأسد خرقاً صريحاً لهذه السياسة. ومن جهة، قد تَفرح الرياض بأنّ احتداماً في الصراعات الإقليمية سيبرز على الأرجح عاجلاً وليس آجلاً وسيدفع حزبَ الله إلى التدخّل من جديد في عمليات خارج الأراضي اللبنانية، خارقاً بذلك من جديد التزامه بالنأي بالنفس. وقد يؤدّي سيناريو من هذا النوع إلى نشوب أزمة داخلية في لبنان، ممّا قد يولّد ضغطاً جديداً يصعُب على حزب الله تخطّيه. ومن جهة أخرى، لم تنجح الرياض في التصدّي لنفوذ حزب الله على السياسية اللبنانية. زد على ذلك أن تراجع الحريري عن الاستقالة سيفاقم الشعورَ بأنّ استقالته التي أعلنها من السعودية منذ شهر كانت نتيجة ضغط سعودي شديد لا أكثر.
وفي خضمّ هذا الوضع القائم، سيحضر ممثّلون أمريكيون حوار المنامة المنعقد في نهاية هذا الأسبوع في العاصمة البحرينية، وهو قمّة أمنية إقليمية تُطرَح في خلالها نقاشات حول إيران يتمّ تداولها من جهة واحدة، بما أنّه في العامَين الماضيَين على الأقلّ، لم يتمّ منح مشاركين رسميين أو شبه رسميين من إيران تأشيرات دخول. وفي هذا العام، يبدو أنّ قطر أيضاً لن تشارك في القمّة. من هذا المنطلق، ينبغي على الولايات المتحدة أن تطلق رسالة قويّة اللهجة حول العمل لإعادة توحيد مجلس التعاون الخليجي.
وتعكس عدم قدرة الرياض على إنهاء الصراعَين اللذين سبّبتهما لنفسها حول اليمن وقطر، بالإضافة إلى عدم تمكّنها من إبعاد لبنان عن إيران، عجزاً استراتيجياً في وضع سياسة احتواء حكيمة وعملية لتوسّع إيران. فبدل أن يتضافر السعوديون حول جبهة معادية لإيران تفتقر لرؤية استراتيجية وتولّد إشكاليات سياسية (إذ تنظر جهات كثيرة بعين الشكّ إلى المحور المؤلّف من محمد بن سلمان وترامب ونتنياهو)، حريٌّ بهم أن يعملوا على إنقاذ مجلس التعاون الخليجي من أن يتحوّل إلى هيئة لا طائل لها. وينبغي عليهم أيضاً أن ينسّقوا الجهود الإقليمية مع الولايات المتحدة والاتّحاد الأوروبي اللّذين يحتاجان هما أيضاً إلى وضع مقاربة موحّدة بينهما إزاء إيران. ويفرض كلّ ذلك على الرياض أن تتراجع عن مواقفها المتطرّفة وأن تقبل بالسيادة القطريّة وبإيران كلاعب إقليمي شرعي ينبغي احتواء تدخّلاته لكن يستحيل إزالة نفوذه.
وحتّى الآن، تبقى طهرانُ الطرفَ الثالث المبتسم، وعلى الأرجح أنّ قادتها يقتبسون عن مسرحية “مكبث” للكاتب وليام شكسبير فيما يشاهدون منافسهم الإقليمي يتعثّر قائلين: “ممثلٌ رديء/ يخطر ساعة أو بعض ساعة على خشبة المسرح مزهوّاً بنفسه/ يرغي ويزبد، ثم يختفي إلى الأبد/ ما هي إلّا قصة يرويها أبله، مِلؤُها الجعجعة والجلبة/ دون معنى أو مغزى”.